الرئيسية ثقافة وفن لالة تاعلات… ولية صالحة كسرت القيود وسط عالم ذكوري

لالة تاعلات… ولية صالحة كسرت القيود وسط عالم ذكوري

كتبه كتب في 20 أبريل 2025 - 15:30

عرفت منطقة سوس عبر التاريخ نساءً عالمات، صالحات، وعابدات، دخلن سجل التصوف والزهد، وتميّزن بالتقوى والورع في زمن كان يُنظر فيه إلى التصوف كحقل خاص بالرجال. ومن بين هؤلاء النسوة، برزت أسماء طُمست بعضها في غياهب النسيان، بينما خُلد بعضها الآخر في كتب التراث، كـ المعسول للمختار السوسي. غير أن “لالة تاعلات” كانت الأبرز بينهن، لما تركته من أثر روحي وثقافي عميق في الذاكرة الجماعية لمنطقة سوس، خاصة في أوساط الفقهاء وطلبة العلم.

فمن هي هذه المرأة التي نافست الرجال في ميدان التصوف، واستمر تأثيرها حتى بعد وفاتها، حيث أضحى ضريحها مزاراً يقصده الآلاف سنوياً؟

اسمها الكامل فاطمة بنت محمد تاعلات، أو “توعلات”، نسبة إلى قبيلة “آيت علا” من منطقة تاسكدلت بإيلالن. وُلدت في قرية “إيمي نتاكاض” وعاشت قرابة 110 سنوات، كرّست حياتها للزهد والعبادة وخدمة طلاب المدارس العتيقة. عُرفت بصفاتها النبيلة: امرأة أمازيغية صبورة، عصامية، زاهدة، متعبدة، أعطت دون مقابل، ووهبت مالها لحفظة القرآن الكريم، مما جعل من ضريحها في جماعة تاسكدلت (بإقليم اشتوكة آيت باها) مزاراً روحياً لطلبة العلم والفقهاء، وموعداً سنوياً لموسم ديني يفتتح المواسم الروحية بمنطقة سوس.

زُفّت إلى زوجها في يوم فريد: 12 من شهر 12 في القرن 12 الهجري. لكنه كان زواجاً محفوفاً بالمعاناة، فقد وُصفت بكونها عقيماً، فيما اشتهر زوجها بتعدّد الزوجات وقسوته عليها، خاصة لاختلافه معها في بعض المسائل الفقهية، كجواز التوسل بالأولياء في أوقات الشدة. لكنها صبرت واحتسبت، متوسلة بالعبادة وطلب العلم وسعة الاطلاع.

كسرت “لالة تاعلات” الصورة النمطية للمرأة في مجتمع محافظ، وفرضت وجودها في ساحة يهيمن عليها الرجال، مُجاورة لرجال الدين والعلم. أُطلق عليها لقب “رابعة زمانها”، في إشارة إلى رابعة العدوية، لما امتازت به من ورع وتقوى. حفظت القرآن، وردّدت الأدعية والمتون الفقهية، وكرّست جهودها لدعم المدارس العتيقة، التي ما زالت تستفيد حتى اليوم من موارد ضريحها.

وقد حظيت باحترام كبير من رجال الفقه والدين، ومنهم العلّامة سيدي امحمد بن صالح المعطي البوجعدي، الذي كتب إليها طالباً دعاءها، كما ذكرها الفقيه البوقدوري في مؤلفه قبائل هلالة. وبلغ تقدير الناس لها أن خصصت محاصيلها الزراعية لصالح طلبة العلم في حياتها، فيما خُصصت مداخيل ضريحها بعد وفاتها لدعم المدرسة العتيقة التي سُمّيت باسمها، “مدرسة لالة تاعلات”.

لم يكن موسمها مجرد احتفال ديني، بل تحوّل إلى ملتقى علمي وروحي، حيث يتنافس الطلبة على مدار أسبوع في تلاوة “تحزابت”، والبردة، والهمزية، وتبادل المعارف، والتداول في القضايا الشرعية. ويُعد موسمها من أبرز التظاهرات الدينية في جبال سوس، ويستقطب الزوار من مختلف جهات المغرب وخارجه.

ولم تكن فقط امرأة عابدة، بل شاعرة أيضاً، تنظم الشعر الأمازيغي السوسي، في مدح الرسول ﷺ، والدعاء، والإرشاد، ومن قصائدها ما بلغ خمسين بيتاً.

وكان الفقهاء يعتكفون في مقصورة ضريحها خلال الخميس الأول من مارس الفلاحي، يتلون القرآن بخشوع، في أجواء يغلب عليها التقدير لا الخرافة. وتغيب النساء عن الموسم غالباً، إلا في يومه الأخير، حين يتوافدن بأعداد كبيرة، واقفات في طوابير على باب الوليّة، ليختمن موسماً يطبع بصمة خاصة في تاريخ التصوف النسائي المغربي.

بهذا، تحوّلت “لالة تاعلات” إلى رمزٍ لامرأة متديّنة، عالمة، ومُلهمة، غيّرت الصورة النمطية عن التصوف والمرأة، وأثبتت أن الزهد والورع ليسا حكراً على الرجال.

أمينة .المستاري

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.