بقلم : رضوان جخا
فاعل مدني ،باحث في الدراسات السياسية، مدون مغربي
الماء والإستثمار موضوعان راهنيّان ببُعد استراتيجي هما اللذان شكّلا لبّ خطاب جلالة الملك محمد السادس بِمناسبة افتتاح الدّورة الأولى من السّنة التّشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة باعتبارها “موعدا سنويا هاما لطرح القضايا الكبرى،لاسيما تلك التي تحظى بالأسبقية. ” ،إذْ خَصّص الملك حيّزا واسعا من خطابه السّامي لتحدّي ندرة الماء الذي يُشكّل تَحدّيّا وطنيا عويصاً بسبب مرور البلاد بِمرحلة جفاف هي الأكثر حِدّة منذ أكثر من ثلاثة عقود، ما يَستدعي وضع هذا التحدي ضمن سيرورة السياسات العمومية ذات التوجه الإستراتيجي، وفي هذا الصّدد تحدّث جلالة الملك عن المَجهودات النّوعية المبذولة من أجل مواجهة هذا الواقع من خلال إجراءات وتدابير استباقية استعجالية انطلقت شهر فبراير المُنصرِم بُغْية التّصدّي لآثار الجفاف، هذا دون نسيان مأسَست البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020-2027 ،زِد على ذلك تعزيز دينامية إنشاء السدود حيث تمّ إنجاز أزيد من خمسين سدا إضافة إلى عشرين سدا في طور الإنجاز، مابين السّدود الكبرى والمتوسّطة وكذا محطات تحلية مياه البحر، وفي هذا الإطار شدّد الملك على تفادي جعل “مشكل الماء موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التّوترات الإجتماعية .” ،في حين أنّ الأهم هو عمل الجميع كلٌّ من موقعه مؤسسات تكون قدوةً ومُواطنين واقعيين بِحتميّة ترشيد استخدام الفرشة المائية، وفي هذا الصّدد دعا الملك محمد السادس إلى التّركيز على تنزيل أربع توجّهات جوهريّة لتعزيز التّدبير الإستراتيجي للثروة المائية وطنيا على غِرار استثمار الإبتكارات والتّكنولوجيات الحديثة في مجال اقتصاد الماء مع إعادة استخدام المياه العامة، إضافة إلى العمل على ترشيد استغلال المياه الجوفية عبر التّصدي لظاهرة الآبار العشوائية، كما أكّد جلالة الملك على “أنّ سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات، وهو ما يقتضي التّحيين المستمر للإستراتيجيات القطاعية على ضوء الضغط على الموارد المائية وتطوّرها المُستقبلي.”
هذا في مايخصّ واقع واستراتيجية المملكة المغربية لمواجهة تحدّي ندرة الماء، أما بخصوص مأسسة ميثاق جديد للإستثمار الذي ما فتئ يُؤكد عليه الملك طيلة خطاباته السامية خلال هذه السنوات الأربع، الميثاق الجديد للإستثمار بأبعاده ومرتكزاته يهدف أساسا إلى قلب قاعدة الهرم من الوضع الحالي الذي تضُخّ فيه الدولة عبر القطاع العام ميزانيات ضخمة تصل لِنسبة الثّلثين مقابل الثلث فقط للقطاع الخاص على أساس كما قلتُ سابقا قلب قاعدة الهرم في أفق سنة 2035 ليلعب القطاع الخاص الدّور الذي يجب أن يَلعبه خصوصا في ظلّ التّحفيزات والإعفاءات الضريبية الكبيرة جدا التي يستفيد منها نتحدث عن أزيد من 300 مليار درهم مابين التحفيزات والإعفاءات الضريبية ما نسبته %3 من الناتج الداخلي الخام، رقم مهم جدا لكن تأثير القطاع الخاص والمقاولات والشركات الكبرى والمتوسطة يبقى محدودا على مستوى الرفع من نسب مناخ الأعمال وعبره خلق فرص الشغل، في هذا السّياق جاء الميثاق الجديد للإستثمار الذي يحتوي كذلك في دعائمه على بُعد مهم جدا يتمثل في السّعي لتحقيق “تنمية منصِفة المجال ” مُرتكز مهمّ سيُمَكّن المناطق والأقاليم الأقل هشاشة على مستوى الإستثمار الخاص والعمومي عبر تخصيص تحفيزات للمستثمرين بتلك المناطق، كما أن دور السلطات العمومية والإدارة المحلية سيكون مهم جدا في هذا الإطار كآلية للتتبع والتنسيق، كما أن دور المراكز الجهوية للإستثمار أساسي وهذا ما أكده جلالة الملك في مجموعة من الخطب الملكية على غرار الخطاب الملكي الأخير ،ما يستدعي تطوير مقارباتها لتحسين مناخ الأعمال وِفق المُحدّدات السوسيو_إقتصادية لكل جهة على حِذا ومن أجل خلق فرص للشغل وتأثير للإستثمار بشكل مباشر على معدلات التشغيل خاصة بالنسبة لشريحة الشباب، هذا مع التّسريع في استكمال تنزيل آليات ميثاق اللاتمركز الإداري الذي يعتبر رافعة أساسية لإنجاح الجهوية المتقدمة؛ فهو يُمأسس لعلاقات أكثر متانة بين الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة للدولة وبين مختلف الفاعلين على المستوى الترابي كذلك، ،كما أنّ الملك محمد السادس سلّط الضوء على دور القطاع المالي والبَنكي في مايخص آليات دعم المقاولات الشبابية المتوسّطة والصّغرى ، كما تطرّق الملك محمد السادس من جديد لأهمية تَحفيز المبادرات الإستثمارية لمغاربة العالم في إشادة ملكية مُتجدّدة بالدّور الجبار الذي يقوم به أبناء الجالية المغربية في النهوض بمناخ الأعمال والإستثمار وطنيا ،ما يستدعي من الحكومة وكافة المؤسسات والإدارات المُرتبطة بالموضوع تبسيط ورقمنة المساطر مع تسهيل الولوج إلى العقار وهي رسالة جديدة لكافة المؤسسات المعنية بالإستثمار لحلحلة كافة الحواجز التي تُعيق مناخ ريادة الأعمال، وفي هذا الإطار وجب على البرلمان أن يُبْدع مبادرات لتشجيع الإستثمار في مجالات التشريع وآليات الرّقابة، وفي هذا الصدد أكّد جلالة الملك على أنّ كل هذه التدابير والإجراءات تأتي في سياق تَعبئة خمسمائة وخمسين مليار درهم من الإستثمارات ستُمكّن مِنْ خلق خمسمائة ألف منصب شغل خلال الأربع سنوات المُقبلة.
خِتاما إنّ خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح البرلمان تضمّن بُعدين استراتيجيين هامّين من حيث راهنيتهما من جهة أولى، ومن جهة ثانية امتدادهما زمانيا كقضيتين بعيدتي المدى نظرا للأزمات الجيو_استراتيجية والتحديات المناخية التي يَعرفها العالم ممّا يستوجب تكاثف المجهودات وتعدّد المبادرات كلّ من موقعه من أجل استثمار ناجع ومؤثر على على فرص الشغل من جهة ومن جهة أخرى إستراتيجية مائية استباقية واستشرافية.
