بسواعدهم الفتية شُيدت المنازل والفيلات، بعرق جبينهم بنيت القناطر والعمارات، يشتغلون لساعات طويلة، ويأخذون مقابل شغلهم ثمنا قليلا.
هم البناؤون، الذين لا يخلو حي من أحياء المدن منهم، شبان في الغالب بين 18 و35 سنة، بأسمال ملطخة بالإسمنت ومواد البناء، ووجوه متربة ونظرات مفعمة بالرضى بالقدر والمكتوب..نصادفهم يدفعون عربات يدوية، أو يخلطون الرمل بالإسمنت، وأحيانا يحملون أكياس ثقيلة ويصعدون بها السلالم المرتفعة نحو الطوابق العلوية.
أجر هزيل
في عُرف شركات البناء و”العطّاشين” فعامل البناء ملزم بالاشتغال 9 ساعات في اليوم. وحسب ما استقته هسبريس من أوراش عديدة بأكادير، فأجر البناء يتراوح بين 60 و70 درهما في اليوم بالنسبة للعامل العادي الذي يُعرف بـ”الخدّام”؛ فيما يبلغ أجر البناء “المْعلّم” 120 درهما لكل يوم عمل.
ولا يتقاضى عامل البناء سوى أجر الأيام التي يشتغلها، إذ إن أيام الآحاد والأعياد التي لا يشتغل فيها لا يأخذ عنها مقابلا.
لا تقاعد ولا ضمان اجتماعي
ينظر غالبية عمال البناء الذين استقينا آراءهم إلى العمل الذي يزاولونه أنه “عمل مؤقت”، في انتظار أن يأتي الفرج؛ والفرج حسبهم هو تغيير هذه الحرفة بحرفة أخرى تكون فيها ظروف الشغل أحسن، أو الهجرة نحو أوروبا، أو إيجاد عمل آخر بأجر جيد. نظرتهم لظرفية هذه الحرفة هي التي تجعل أغلب البنائين لا يهتمون بحقوقهم الاجتماعية.
“نكون مجبرين على العمل لكسب القوت اليومي، لذلك لا نفكر في المستقبل، لأننا سنضيع أياما كثيرة في البحث عن صاحب هذا الورش الذي يصرح بالعمال ويدفع حقوقهم الاجتماعية كاملة. باستثناء شركات كبيرة لا أحد يصرح بعمال البناء”، يقول بناء في ورش، ثم يضيف: “هذه الحرفة يمكن أن تزاولها دون أي تعليم، فالجميع يعرف كيف يخلط الرمل بالإسمنت والماء، والجميع قادر على أن ينفذ الأوامر التي يصدرها المْعلم، أو رئيس الورش”.
الرأي نفسه يؤكده حميد أيت علي إذ يقول: “لمدة 12 سنة التي عملت فيها كعامل بناء، في كل ربوع الوطن من طنجة إلى الگويرة، لم أصادف في حياتي شركة تحترم القانون وتعطي جميع المستحقات للعمال، وتحترم المجهود الذي نقوم به”.
حوادث الشغل
يزيد أيت علي، وهو المشهور بلقب أفرزيز: “أهم مشاكلنا غياب التغطية الصحية. وقد عاينت مصائب ومشاكل جمة بسبب ذلك، عشتها ورأيتها بأم عيني. مات الكثير من العمال وسط لامبالاة الشركات وعدم اهتمام الدولة. سقط عمال عديدون من شواهق المباني، وانفجرت أدمغتهم ليودعوا عالم الأحياء، تاركين أبناءهم وعائلاتهم يعانون الفقر والتهميش..مات الكثيرون دون أن تأخذ زوجاتهم حقهن من الشركات”.
ويواصل أيت على حديثه : “قطعت أيادي وأرجل الكثير بسبب عدم توفير ظروف العمل الملائمة، والمخاطرة بالأرواح مقابل أجر هزيل، ليصبح المعطوب عالة تنضاف إلى عائلته ويصبح الفقر رفيقها طيلة الحياة.. هم الشركات والمقاولين فقط الربح وإنهاء المشروع”.
ويستطرد حميد أيت علي متحدثا عن مجمل المشاكل التي يعانيها عمال البناء في المغرب بقوله: “من بين المشاكل أيضا التي نصادفها فرض توقيع عقد عمل لا تتجاوز مدته 6 أشهر، كي تنجو الشركة من الضرائب وتسديد مستحقات الأقدمية للعامل، أي إنه في كل 6 أشهر توقع عقدا جديدا أو يتم طردك من العمل بذريعة أن العقد الذي يربطك بالشركة قد انتهت مدته”؛ ثم يضيف: “كما أن بعد نقط العمل عن القرى التي نعيش فيها يضاعف معاناتنا.. أغلب عمال البناء من القرى الهامشية، خاصة من الجنوب الشرقي.. حتى الأعمال الشاقة يجب أن نقطع مسافة كبيرة لنزاولها، ما يزيد من تكاليف العيش والتنقل، فلا يتبقى أي شيء لعامل البناء”.
التكتل في إطار جمعوي أو نقابي
من جهته يرجع جامع فرضي، رئيس فرع أكادير للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تصريح له، معاناة هذه الفئة من العمال وهزالة رواتبهم إلى “عدم تكتلهم في أي إطار نقابي أو جمعوي، وغياب تكوين وتأطير ووعي بذواتهم وأهمية ما يقومون به”.
ويضيف فرضي في السياق نفسه أن عمال البناء يقعون عرضة للاستغلال بسبب المنافسة غير الشريفة التي تنشأ بين المقاولين وأحيانا بينهم أنفسهم، وزاد: “هناك من يفضل العمل المضني لينجز عمل أسبوع في يومين فقط لينال أجرا أكثر من المناولين، دون أن يفكر في بقية الحقوق عندما يشيخ أو يمرض”.
ويؤكد المتحدث ذاته أن المسؤولية تتحملها مصالح الضمان الاجتماعي، “التي يجب عليها أن تفرض على الشركات التصريح بعمالها”، وزاد: “كما تتقاسم هذه المسؤولية أيضا مكاتب مفتشي الشغل، وعمال البناء أنفسهم، الذين يجب عليهم يطرقوا الأبواب ليتأكدوا من التصريح بهم”.
ويورد فرضي في حديثه أن على البنائين التكتل في إطارات نقابية وجمعوية، “لأنه كما يقال لا تلتفت الأم إلى الطفل إلا عندما يصرخ”، وفق تعبيره، وزاد: “على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها لضمان حقوق المواطنين”.
ميمون أم العيد