الرئيسية تربويات المغرب: خلال فعاليات مؤتمر دولي حول المدن المندرسة، الباحث ذ.محمد بوكطي والدكتور أحمد الشايخي يُعيدان الاعتبار لقصبة أكادير أوفلا كمدينةٍ اندرست.

المغرب: خلال فعاليات مؤتمر دولي حول المدن المندرسة، الباحث ذ.محمد بوكطي والدكتور أحمد الشايخي يُعيدان الاعتبار لقصبة أكادير أوفلا كمدينةٍ اندرست.

كتبه كتب في 30 أبريل 2025 - 23:53

 

خليفة بوطيب**

في إطار فعاليات شهر التراث لسنة 2025، نظّمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير، بتعاون مع جامعة شعيب الدكالي وعدد من الشركاء، المؤتمر الدولي الثاني تحت عنوان: “المدن المندرسة في تاريخ المغرب – Les villes désertées dans l’histoire du Maroc”، وذلك يومي 28 و29 أبريل 2025 بفضاء الإنسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير.

شارك في هذا المؤتمر الباحث محمد بوكطي والأستاذ الجامعي الدكتور أحمد الشايخي، حيث قدّما ورقة بحثية نوعية بعنوان: “قصبة أكادير أوفلا المندرسة: من الاحتلال البرتغالي في القرن السادس عشر إلى الاحتلال الفرنسي في القرن العشرين”.

أثارت هذه الدراسة اهتمامًا لافتًا من قبل الحاضرين في المؤتمر، لما تضمّنته من مقاربة جديدة وغير مسبوقة في تناول تاريخ القصبة. فقد ميّز هذه المداخلة أنّ الباحثين قاربا قصبة أكادير أوفلا بوصفها “مدينة مندرسة”، في حين اقتصرت معظم الدراسات السابقة على الجانب الحدثي المتعلّق بالوجود البرتغالي ومقاومته، أو على الأبحاث الأركيولوجية الصرفة التي درست البنيات العمرانية. أما السؤال الجوهري الذي طرحه الباحثان فكان: “لماذا لا يعتبر الباحثون قصبة أكادير أوفلا مدينة مندرسة؟”

أكد الباحث محمد بوكطي، الذي قدّم الدراسة أمام الحضور، أنّ كافة الشروط والمعايير تنطبق على هذا الموقع لتصنيفه مندرسا على غرار سجلماسة وإلغ وتمدولت. إذ تأسست المدينة خلال العهد السعدي على يد السلطان محمد الشيخ السعدي، الذي استكمل بناءها عام 1540م، وعرفت توسعًا حضريًا متزايدًا تمثل في تشييد المساجد والمنازل والدكاكين. واستمر استقرار السكان فيها حتى القرنين 18 و19م، إلى أن دمّرها الزلزال العنيف سنة 1960م، فانهارت المدينة الداخلية وأجزاء من حصنها الخارجي، وتحولت إلى أطلال.

وفي هذا الإطار، أكّد الباحث أنّ قصبة أكادير أوفلا تُعدّ مدينةً مندرسة ومختفية، على غرار نماذج أخرى في المغرب وفي العالم، مؤكدا أن الاندراس، كمفهوم، يعني دمار الشيء وزواله، سواء بفعل عوامل طبيعية أو بشرية أو هما معا. وأن ما وقع لمدينة أكادير أوفلا المحصنة، هو نفسه ما وقع لسجلماسة وتمدولت، فكلاهما اختفى بفعل عوامل إما طبيعية أو بشرية، والحال أن أكادير أوفلا اندرست بفعلهما معا، فالطبيعة دمرت المدينة كليا عام 1960، وما تبقى منها اندرس نهائيا بسبب طمس العامل البشري، وغياب تقنيات البحث عن الضحايا والمفقودين، مما أدى إلى تغطية المدينة بالركام والجير فطمست إلى اليوم.

وقد دعم الباحث طرحه من خلال استحضار أدبيات غربية حول المدن المندثرة، مثل كتاب Les Cités perdues لميشيل ريبو، الذي وصف مُدنًا اختفت بسبب الكوارث أو الحروب، وكذلك كتاب The Lost Cities of Africa للمؤرخ باسيل دافيدسون، الذي اعتبر أن اندثار المدينة لا يتعلّق فقط بقدمها بل بزوال بنيتها الوظيفية. كما أشار إلى المفهوم الإسباني للمدن المختفية (Ciudades desaparecidas)، مستشهداً بأعمال المؤرخ خوليو كارّيرو سيرفيرا.

وتأتي هذه الدراسة ضمن رؤية أوسع لإعادة الاعتبار للتراث المغربي المهدد بالاندثار، وتُعدّ مقاربة الباحثين إضافة نوعية في حقل الدراسات التاريخية والأركيولوجية، تُعيد مساءلة مفاهيم ثابتة وتفتح نقاشًا علميًا رصينًا حول مصير المراكز الحضرية القديمة بالمغرب. فعدم تصنيف قصبة أكادير أوفلا مدينة مندرسة، سيفوّت الفرصة على تثمينها ثقافيًا والتعريف بها تاريخيًا في زمن الإنترنت. فلا يعقل أن يبحث شخص ما، باحثًا كان أم سائحًا، عن قائمة المدن المغربية المندرسة ولا يجد في نتائج البحث مدينة أكادير أوفلا!

** طالب باحث في سلك الدكتوراه التاريخ والتراث جامعة سيدي محمد بن عبد الله سايس-فاس…ابمغرب

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.