الرئيسية اراء ومواقف أخبار قشرة الموز وجنون “عض رجل كلبا” في السوشيال ميديا المغربي ؟!

أخبار قشرة الموز وجنون “عض رجل كلبا” في السوشيال ميديا المغربي ؟!

كتبه كتب في 12 فبراير 2025 - 00:26

مصطفى وغزيف

في وقت أضحى فيه “الكوبي بيست أو Copier-Coller” رياضةً وطنية عند السواد الأعظم، وصار التفاعل السريع قبل التحقق شطارةً رقمية، يجد المغاربة أنفسهم يتزحلقون يومياً على قشور موزٍ افتراضية، تنتشر بسرعة البرق في فضاءات “الواتساب” و”الفيسبوك” و”التويتر”..

“عاجل… عاجل… عاجل…”
ثلاث كلمات كفيلة بجعل الخبر ينتشر كالنار في الهشيم، حتى لو كان الخبر عن قطة تسلقت عمود الكهرباء في حي شعبي، أو عن بائع متجول اكتشف كنزاً في علبة سردين!.

أصبحنا في زمن يتنافس فيه المواطن الصحفي مع الصحفي المواطن، وكلاهما يتسابق مع الزمن ليكون السبّاق في نشر “السبق الصحفي”، حتى لو كان هذا السبق مجرد “تزحليقة” على قشرة موزة إعلامية.

في كل يوم، نرى عشرات الأخبار “المؤكدة” عن زيادات في الأسعار لم تحدث، وإغلاق مؤسسات لم تُغلق، وقرارات حكومية لم تُتخذ. وكأننا في مسابقة “من سيربح المصداقية؟”، والجائزة الكبرى هي فقدان الثقة في كل ما نقرأ.

المضحك المبكي أن بعض هذه الأخبار تأتي مصحوبة بصور “موثقة”، وإذا دققت النظر فيها تجد أنها من الأرشيف القديم، أو من بلد آخر، أو حتى من برنامج الذكاء الاصطناعي أو تطبيق الفوتوشوب المبارك، حتى أصبح التحقق من صحة الخبر يحتاج إلى شهادة في علم التحري الرقمي.
و”بين ‘الشير’ و’الفوروارد’ و’الريتويت’، يجد المواطن المغربي نفسه في دوامة من المعلومات المغلوطة. ولعل أطرف ما في الأمر هو سرعة انتشار الأخبار المفبركة مقارنة بالتصحيح الذي يأتي بعدها. فالخبر الكاذب يطير بجناحين، بينما يزحف التصحيح على بطنه كالثعبان.

وفي النهاية، يبقى السؤال المطروح: متى سنتعلم درس “قشرة الموز الرقمية”؟ متى سنفهم أن سرعة النشر لا تعني صحة الخبر؟ وأن “العاجل” ليس بالضرورة “الصادق”؟

ربما حان الوقت لننشئ تطبيقاً جديداً اسمه “فاكت-شيك-بالعربية-المغربية”، يساعدنا على تجنب الانزلاق على قشور الموز الرقمية. وحتى ذلك الحين، سنظل نتزحلق… ونضحك… ونشارك… ونندم.

ويبدوا أن الصحفي الذي قال ذات يوم إن عضة الكلب للرجل ليست خبراً، لكن عضة الرجل للكلب هي الخبر الحقيقي، لو عاش في مغرب اليوم لأصيب بالذهول وهو يرى كيف تحولت معادلته البسيطة إلى كرنفال رقمي من قشور الموز المتطايرة على منصات التواصل الاجتماعي.

إذ لم نعد نهتم بمن عض من، بل أصبحنا نركض خلف كل قشرة موز افتراضية تظهر في مجموعات الواتساب أو تدوينات الشبكات. تخيلوا معي مثلاً خبراً بسيطاً عن قطة تسلقت شجرة في حي شعبي. في الماضي، كان هذا الخبر سيمر مرور الكرام، لكنه اليوم، وبفضل “سحر” التواصل الاجتماعي، يتحول إلى: “عاجل وخطير: قطة مغربية تكتشف مؤامرة كونية في أعلى شجرة!”

لقد تحولنا من أمة تبحث عن الحدث الاستثنائي إلى أمة تصنع الاستثناء من العدم. فلم يعد مهماً أن يكون الخبر حقيقياً، المهم أن يكون “قابلاً للتزحلق” عليه في عالم السوشيال ميديا. وهكذا أصبحنا نرى يومياً كيف يتحول خبر بسيط عن بائع متجول يبتسم لزبائنه إلى “كشف خطير: بائع متجول يمتلك معلومات سرية عن أسعار الذهب!”

المضحك المبكي في الأمر أن قاعدة “عضة الكلب” التاريخية، التي كانت تهدف إلى البحث عن الاستثنائي والفريد، تحولت في عصرنا الرقمي إلى سباق محموم نحو تصنيع الغرائب. فلم نعد ننتظر أن يعض رجل كلباً لنصنع خبراً، بل أصبحنا نخترع قصصاً عن كلاب تتحدث الدارجة المغربية وقطط تتنبأ بأسعار البنزين!

وبين همزة “عضّ” وقشرة “موز”، تضيع الحقيقة في زحمة الإشاعات، ويصبح التحقق من صحة الخبر مهمة أصعب من العثور على إبرة في كومة قش رقمية. وكأننا في سباق عجيب: من يستطيع أن يجعل الخبر العادي أكثر غرابة؟ من يستطيع أن يحول قشرة الموز العادية إلى حدث يهز وجدان الناس؟

لنتأمل مثلاً:
– خبر عادي: “مواطن يشتري الخبز”
– النسخة المغربية المعدلة: “عاااجل: مواطن يكتشف رسالة سرية داخل الخبز تتنبأ بارتفاع الأسعار !

• مطر خفيف ➜ “تحذير: طوفان نوح يعود للمغرب!

– صورة لحفرة في الشارع = لا أحد يهتم
وهكذا تتحول المعادلة من:
“حدث عادي = لا خبر” و “حدث استثنائي = خبر”
إلى:
“حدث حقيقي = غير مثير” و “إشاعة = انتشار فيروسي!

والظاهر أننا بحاجة اليوم إلى إعادة كتابة القاعدة الصحفية القديمة لتتناسب مع عصرنا: “ليس الخبر أن تقول عض الكلب رجلاً، ولا أن يعض رجل كلباً، بل الخبر أن تصدق الناس أن قشرة موز يمكن أن تغير مجرى التاريخ!”

وحتى نتعلم كيف نتجنب الانزلاق على هذه القشور الرقمية، ربما علينا أن نتذكر دائماً أن السرعة في نشر الأخبار قد تجعلنا نسقط في فخ الإشاعات، وأن التريث قبل المشاركة قد يكون هو الفرق بين الحقيقة والوهم.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.