في اول ايام عيد الفطر كان حازم وامير ومحمد برفقة أطفالهم الصغار يباركون العيد لمعارفهم وينتقلون بين ما تبقى من بيوت أهاليهم على متن سيارتهم .
وفي طريقهم لزيارة أقرباء لهم في مخيم الشاطئ للاجئين ،غرب قطاع غزة ،اطل عليهم نتنياهو الحقير من داخل الهيليكوبتر ودمر مركبتهم بصواريخ من صنع الأمريكان ( معذرة للشاعر عبدالله زريقة ) وتطايرت اجسادهم. حينها ظهر أبو العبد على شاشة العالم وهو يتلقى الخبر الصاعقة مباشرة عن استشهاد أبنائه .معلقا بتماسك وهدوء (الله يسهل عليهم ).
ولعلني أتخيل في نفس اللحظة السيدة امال أم محمد وحازم وامير وهي تستمع إلى فرقة العاشقين وهي تردد أنشودتها الخالدة (شوارع المخيم) ( لا تلبسي السواد أم المكارم .. فموته ميلاد والفجر قادم )
وتعود بها الذاكرة إلى لحظة ميلادهم الواحد تلو الآخر وتتذكر ذلك الألم اللذيذ الذي يقول عنه بعض الأطباء انه يساوي ألم كسر أربعين عضمة في الجسم ،وهي التي انجبت ثلاثة عشر مولود .
هي السيدة امال نفسها بعد مئة وعشرين يوم فقط سيباغثها الهاتف بخبر استشهاد زوجها إسماعيل بقديفة اسرائيلية في فراشه وفي ضيافة بلد عضو في الأمم المتحدة وستسمع على الطرف الآخر من الهاتف عويل المسؤولين الإيرانيين وهم يلطمون وجوههم (كعزايات المآتم)بعدما لم يستطيعوا حماية ضيفهم كالرجال الأشداء .
من غباء العدو الصهيوني انه بعد ثمانين سنة من الاحتلال لم يستطع ولن يستطيع فهم وتفكيك هذه العلاقة الفريدة للفلسطينين مع الشهادة من اجل فلسطين. وهي علاقة يتساوى في نسجها اليساري والليبرالي والقومي والإسلامي . فقبل حماس كم قدمت فتح من قائد شهيد وكم قدمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وغيرهم من الفصائل. منذ الشهيد احمد موسى سلامة سنة 1965 الفتحوي مرورا بعلي حسن سلامة سنة 1979 وخليل الوزير ابو جهاد سنة 1988 بتونس يوم دخلت فرقة قوات خاصة اسرائيلية واغتالته خلسة وفي جنح الظلام كما هي عادة اللصوص الجبناء . وصلاح خلف ابو أياد سنة 1991 وأحمد ياسين سنة 2009 والان ابو العبد إسماعيل هنية واللائحة طويلة جدا ويقينا المعركة لازالت مستمرة .
من غباء الكيان الصهيوني كذلك والحمد لله انه لا يدري ان للموت طعم خاص في ثقافتنا الإسلامية فنحن امة لا نذكر موتانا في حياتنا اليومية إلا بالخير فما بالك عندما يكون المتوفى شهيد فلسطيني !فهل يبقى لحماس وللإسلام السياسي او غيرهما معنى ؟وهل تبقى للحدود بين العمل السياسي والمقاومة المسلحة دلالة ؟
بفلسطين الشعب الوحيد في العالم الذي احدث يوم الشهيد ويحتفل به كل سنة منذ 1969 يوم السابع من يناير .
اهل فلسطين بكل فصائلهم ومعهم السلطة الفليسطينية انخرطوا في المنظومة الدولية بتشعباتها وتحولاتها والياتها واعتبروا ان المعركة مع الكيان الصهيوني سياسية خارج فلسطين لكن المقاومة بكل اشكالها مستمرة في الداخل مادام الاحتلال متغطرس ومتمادي في احتلاله .
لكن يبدو ان العدو الاسرائلي باغتياله لإسماعيل هنية بطهران والعالم يتابع المبياد باريس ،2024 مُصِرُُ على نقل المعركة لخارج فلسطين .
فهل من غباء نتنياهو انه نسي المبياد ميونيخ 1972 عندما تم احتجاز احد عشر فردا من النخبة الاسرائيلية المشاركة في الألعاب وذلك للتفاوض على إطلاق سراح 236 من المعتقلين الفلسطينين في السجون الإسرائلية لكن الغطرسة أدت إلى وفاة 11 رياضي إسرائيلي والمنفذين الخمس لهذه العملية .
هل العالم محتاج الان للعودة لأجواء السبعينات ؟
وفي الأخير أليس المواطن الاسرائيلي مسؤول وهو الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها لمحاسبة حكومته، على فساد مالي بسيط ،او انحراف إداري هامشي ،بما فيهم وزيرهم الاول الحالي وهو يحاكم امام القضاء؟ ماذا فعل هؤلاء المواطنون والسياسيون والمثقفون والجمعويون والبرلمانيون لمحاسبة نتنياهو وعصابته، وعدد الشهداء بلغ أربعين الف ؟
سيذكر التاريخ ان همجية إسرائيل مسوولية المجتمع كذلك .