في يناير 2024 اصبحنا ثمانية ملايير فوق الارض . قال عنهم سيدنا علي رضي الله عنه إما إخوة في الدين او نظراء في الخلق .وتسميهم مدام Laurence Garcia في برنامجها الشهير على إذاعة فرنسا الدولية 8milliards de voisins.
اما الإسمنت فلم ينتظر -كما كان متوقعا- سنة 2030 ،ليزحف على البادية ويرفع اهل الحضر إلى 60% اليوم وليس غدا .حتى ان الامم المتحدة نفسها تعتبر ان التوسع الحضري السريع، “لن يُمَكِن المدن المستقبلية من توفير العيش الكريم لساكنتها الأضعف”. مالم يتم ابتكار مقاربات جديدة لتطوير البحث والتعاون على المستوى الدولي في هذا المجال .
اما بهذا البلد الجميل ففي سنة 2023 اصبحنا 65% نقطن بالمجال الحضري موزعين على 221 مدينة مغربية إذا ما اعتبرنا ان كل جماعة حضرية فهي مدينة .
لا شك في انه مند نهاية التسعينات أصبحت إرادة الدولة تتبلور اكثر فأكثر من اجل تدارك عقود من الارتجال المقصود والعشوائية المرغوبة في تدبير المجال بشكل عام والمدن بشكل خاص .
حيث انطلق الحوار الوطني لإعداد التراب سنة 2000 برسالة ملكية مؤطرة .كما وضع برنامج اعادة الاعتبار الحضري سنة2003 وبرنامج مدن بدون صفيح ،وبرنامج المدن الجديدة سنة 2004 وبرنامج التاهيل الحضري سنة 2005 ،واخيرًا مشاريع سياسة المدينة سنةً2012.
ويمكن ان يكون لكل واحد منا تقديره لحصيلة كل هذه البرامج ومدى بلوغها للأهداف التي سطرت من اجلها ،وفي سرعة الإنجاز وتفاوته بين مدينة وأخرى كذلك ،وانعكاس اثرها على الساكنة .يقينا ان المطبات كثيرة والمسؤوليات متعددة .
لكن في المقابل لا يمكن لأي كان ان لا يقف على ما تعرفه بعض المدن من تحول 180 درجة.
ففي هذا الصباح ونحن نشرب -أتاي -بمحطة القطار اكدال قال لي صديق في الستين من عمره وهو يقذف نظراته لتلامس المحيط الأطلسي “عندما التحقت للعمل بالرباط في بداية التسعينات وانا القادم من عمق المغرب والعائد من باريس ،لو كانوا حينها طلبوا مني ان أتخيل كيف اريد ان تكون الرباط لما تصورتها على ما هي عليها اليوم ”
أكيد ان المجهود المبذول بالعاصمة مهم جدا وهو امر طبيعي لمدينة تطمح ان تكون عاصمة للأطلسي لكن ما يجري كذلك بعدد من المدن الأخرى جد مشجع خاصة ان التاهيل هذه المرة ليس قطاعيا بل عرضاني و مندمج.
لكن هل هذا يكفي ؟
هل الاستحسان الذي تعبر عنه الساكنة من حين لآخر ،لما يجري بمدننا كاف لتملكها لهذه المشاريع ،والإصلاحات ،والانخراط فيها والدفاع عليها ولم لا حمايتها ؟
هل الحزم والسرعة والجدية التي تسير بها المشاريع التأهيلية على مستىوى هذه المدينة او تلك تغني عن مشاركة وإشراك الناس فيما يقع في حيهم ومدينتهم ؟اليس من حق التلاميذ ان يتداولوا في أقسامهم فيما تعرفه مدينتهم من تحول ؟
اليس من واجب من يسيرون المدن ابداع صيغ جديدة للتواصل مع الناس ؟لماذا لا تنظم زيارات جماعية للمشاريع في طور الإنجاز، لماذا لا تفتح الأبواب ؟ لماذا لا تخلق تعبئة عامة للساكنة لمواكبة تحول المدن ؟
ان تهيئة المدن فعل مجتمعي قبل ان تكون خلاطة أسمنت .
عندما احرقت شيكاغو في ليلة الثامن من اكتوبر 1871 مخلفة 300 قتيل واكثر من مئة الف بدون مأوى حيث كان الدمار شاملا وكل من رأى شيكاغو انذاك تأكد انها انتهت بلا رجعة لكن ما حدث خالف التوقع فقد أدت فداحة المصيبة إلى تحفيز الهمم وبعث الشجاعة في السكان حتى ان تاجرا يدعى جون رايت وجد نفسه واقفا وسط عشرات المنكوبين وصاح بصوت جوهري :
“تجلدوا أيها الرجال …شيكاغو لم تحترق ،لكنها دخلت الى النار حتـي تتخلص من عناصرها الرديءة ولسوف تخرج اقوى واجمل مما كانت..”
يقول علاء الأسواني هكذا توهجت غريزة البقاء العميقة وانبعث التضامن الفطري الذي يجمع الناس لحظة الخطر وشرع الناجون بهمة لا تعرف الكلل لا نهم فقط كانوا يتملكون المدينة يشعرون ان شيكاغو لهم .
فهاهي شيكاغو التي كانت مجرد ضيعات للبصل هي الان ثالث مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد نيويورك ولوس أنجليس.
فليس عبثا ان تتكتب الامم المتحدة ” ما المدينة الا سكانها !!