رمضانيات…مقامات العميري(4)
كتبه
سوس بلوس
كتب في 17 مارس 2024 - 06:30 اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.
المقامــــــــــــةالرابعـــــــــــة
المقامة الناظرية
حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:
لما تحطمت أحلامي،وزادت همومي وأسقامي وتلاشى أملي في العفو عن (أبي العلاء) و(ابن التهامي)(1 )غادرت إلى( إنزكان)لزيارة أحد الإخوان ،يدعى (صل بن ثعبان)مختص في غمط حقوق الإنسان، والسمو بالأدمغة والأذهان(2)…ولما دخلت حي(مسدورة)، (3)وأمام دار خربة مهجورة،وعن عيون (البصاصين) (4)مستورة ،رأيت رفقة قد انتظموا في حلقة ،ومعهم رجل طويل القامة،أصلع الهامة، وهو يقول:
-طحا بي شوق إلى الإدارة، فاخترت النظارة،لأنها وسيلتي المثلى لبلوغ الإمارة،وتحقيق نزوات النفس الأمارة،ورغبات (المدام)في (الفيلا)والسيارة،والتخلص من تلاميذ عقولهم كالحجارة،والتملص من تعليمات ومذكرات الوزارة…
قال الراوي :
فعينت ناظرا في (أولاد برحيل)معقل النميمة،ووضم(5) الغنيمة،…فاستنفرت الطاقة ،واعتنيت بالأناقة والحلاقة،ثم ودعت أسرتي باكياوتركت(إنزكان)شاكيا،وحينما ركبت الحافلة، لم أكن أحس بوجود راكبين ولا سابلة ولا حتى بحر الشمس القائلة…فوصلت إلى (برحيل)ظهرا،مسافة خلتها دهرا،ثم قصدت (مطعم البهجة)الذي أدخل على نفسي البهجة، حينما قدم لي صحنا دسما بلحم النعجة،فأكلت واكتفيت ،وحمدت وأثنيت…ومما أمتع بصري ،ومتع نظري ،مجموعة من الرؤوس المشوية ،في حلة بهية ،وبأشكال هندسية ،يتحلب عند رؤيتها اللعاب وتستثير بطلعتها حتى القطط والكلاب!فتذكرت قول الشاعر:
يا حبذاتلك الرؤوس***إذا ما علاها البقدنوس !
قال الراوي:
فدخلت باب الثانوية برجلي اليمنى–وأنا لا أفتر عن ترديد أسماء الله الحسنى-ثم قصدت مكتب المدير الذي استقبلني بنظرة كلها تحذير وتنفير،فقدمت له أوراقي ورقم أرزاقي،فلما رأى خطي مليحا بالفرنسية،قبيحا بالعربية قال:
خط يجادإذا تفرنس حرفه ***ويرى كظل الســدرإذا عربـــــــــــــــــــــــا
حتى الخطوط استعمرت واحسرتا***أواه قد عادت مآثرنا هبـــــــــــــــــا!
قال الراوي :فاستلمت منه جدول حصتي، بعد أن تحسست صلعتي ،وتجرعت غصتي….
وبعد مرور خمسة أيام –خلتها خمسة من أالأعوام-بدأت الدراسة ،فعم الانضباط، وقلت الأغلاط، وشحت حصة التلاميذ والأساتذة من الراحة ،حتى في أوقات الاستراحة …
وعندما أكون في الساحة ،أحرم نفسي من الجلوس ومن الراحة،وإذا قابلني أستاذ متأخر بتحية ،أكون عنه في تنحية لأنه لايقدر المسؤولية،ولايعرف معنى نكران الذات والتضحية…
وجاءموسم العج والثج(6)، فقرر المدير السفر للحج،فأقام وليمة لها قدروقيمة،فدجج وفرج وشوى،وسكبج ولوزج وافلودج وروى،ولكن هذه الوليمة كانت بالنسبة لي وضيمة(7)…
وكان آخر تقرير تلقيته من السيد المدير:
بالتقرير اليومي يا ناظر اعتن***وبالغياب لتكن في مأمــــــــــــــــــــــــــــــــن
عائشة فاطمة لطيفه***أخطاؤهن محسوبة طفيفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
لاتقلقن ياناظر(منيرا)***فتفتح لنفسك سعيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا
فقلت: أنت لها ياابن(عكيدة)ولكل مهمةجديدة!سأقوم بمهمات مدير عرضي –رغم شيخوختي ومرضي- وسأخدم بلدي,ولواعترضت على ذلك أم ولدي،لأنني امرؤ لا آكل سوى من عمل يميني,وعرق جبيني. فشمرت على ساعد الجد،واستعنت برضا أمي وجدي،وتحملت وعثاء الإدارة وحدي…
وكنت لاأشعر بالراحة, والهدوء والاستراحة، سوى عشية كل خميس، حيث أقتطع هنيهات من وقتي النفيس،وأردد مع نفسي:
اليوم يوم الخميس يوم ابتهاج النفـــــــــــوس
يوم التهام الطواجــين واحتساء الكــــــــؤوس
يوم تعاطي التناجي مع اللطيف الأنــــــــيس
لاكان من مال فيه إلى تعاطي الــــدروس
قال الراوي:
وعاد المدير من حجه منصورا،فأهداني (طاقية وكندورا) ،ومسبحة وبخورا،وزمزماوتمورا.جعل الله حجه مبرورا،وذنبه مغفورا،وعدوه مدحورا!!!
…وفي آخر سنة دراسية،شاركت في الحركة الانتقالية، وعدت إلى زوجتي وابنتي ،ومن سجن المرآب أخرجت سيارتي (9)، فالحمد لله على سلامتي!!!
الهوامش:
1-من أصدقاء الراوية حكم عليهم بالسجن بسبب جنحة ارتكبوها.
2-شخص يمار س السرقة وبيع المخدرات .
3-من أحياء مدينةإنزكان العتيقة.
4–البصاص :لقب كان يطلق على المخبر السري في عهد دولةالمماليك بمصر.
5-الوضم: الخشبةالتي يقطع فوقهاالجزار أو القصاب اللحم.
6-العج:رفع الحجاج أصواتهم بالتلبية،والثج:سيلان دماء الهدي.قال تعالى:وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا.)سورة النبإ-الآية 14(.
7-الوضيمة:طعام العزاء.ولمزيد من الفائدة هذه اسماء الاطعمة في اللغة العربيةمنظومة:
أسامي الطَّعامِ اثنانِ منْ بعدِ عَشْرةٍ … سَأسْرِدُها مقرُونةً ببيـــــــــــــــــانِ
وليمةُ عُرْسٍ ثمَّ خُرسُ وِلادَةٍ … عقيقةُ مَوْلُودٍ، وَكيرةُ بــــــــــــــــــــــــانِ
وَضيمةُ ذيْ مَوْتٍ نَقيعةُ قادِمٍ … عَذيرٌ أو أعذارٌ ليومِ خِتــــــــــــــــــــــانِ
و مأدُبةُ الخِلاّنِ لا سببٌ لها … حِذَاقُ صَبيًّ يومَ ختمِ قــــــــــــــــــــــرآن
و عَاشِرُها في النَّظمِ تُحفةُ زائرٍ … قِرى الضَّيفِ مَعْ نُزْلٍ لَهُ بأمـــــــــانِ
8-أستاذ كان غليظا في الحق ،يناصر المظلومين ويتبنى قضاياهم.
9-كانت لهذا الناظر سيارة من النوع الرفيع-كما كان يدعي دائما-لكننالم نشاهدها قط في (أولاد برحيل) طيلة مدة عمله هناك والتي دامت أربع سنوات.
مقالات ذات صلة
20 أبريل 2025
نعيش اليوم في سياق وطني وإقليمي يتسم بتحولات سريعة وتحديات معقدة، تفرض علينا تجديد مقاربتنا اتجاه فئة الشباب، ليس فقط [...]
16 أبريل 2025
* د. عبدالله مشنون كاتب صحافي مقيم بايطاليا. في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن بتاريخ 14 أبريل 2025، قدّم المبعوث [...]
12 أبريل 2025
الجمعة 11 أبريل 2025، رحلة رقم 30723 من أكادير إلى الرباط، كان من المفروض أن تقلع في الساعة 22:45، لكنها [...]
2 أبريل 2025
مع حلول الأول من أبريل من كل عام، تتجدد ظاهرة نشر الأخبار الكاذبة تحت مسمى “كذبة أبريل”، حيث تنتشر شائعات [...]