نعتوها وهي صغيرة ب” عزري الدوار”، كبرت وأصبحت مستثمرة فلاحية في وسط رجالي محافظ بسوس فقالوا عنها هذه المرة تلك الشابة ” راجل ونص”. تلكم هي سارة محسن، مديرة مجموعة أكروبا ماركا ببيوكرى، امرأة ليست ككل النساء، جمعت بين المال والأعمال والجمال، ودخلت الميدان الفلاحي من بابه الواسع عبر التصدير والاستيراد مع شركائها الإسبانيين. سارة، وجدت نفسها مند الصغر مشدودة نحو ” الأعمال الرجالية”، ومندمجة أكثر مع الوسط الرجالي.
وبحكم الصدفة وجدت هذه الشابة نفسها في قلب الضيعات في وسط ذكوري قروي محافظ، خشيته للوهلة الأولى غير أنه احتضنها فوق ما كانت تتصو، يدد مخاوفها فوجدت نفسها بغثة محبوبة من قبل الجميع. استطاعت أن تقلب الأفكار المسبقة رأسا على عقب.
لنستمع إليها في هذا الحوار الخاطف والشيق، وهي تغوص في قلب الفلاحة والتصدير، والعلاقة بين المغرب والشركاء الدوليين لتعود إلى أشياء حميمة خاصة بها، تقتسمها سارة محسن بابتسامتها مع زوار موقع سوس بلوس.
سارة محسن مقاولة فلاحية ببيوكرى، وشريكة للإسبانيين: هلا حدثتنا عن هذه المغامرة؟
سارة محسن مديرة مجموعة أكروبا ماركا التي تأسست سنة 2006 ، مؤسسة مغربية إسبانية، قررت الدخول من خلالها شريكة مع أحد الإسبانيين، أتكفل بالمزارع ومحطات التلفيف، بينما الشريك الإسباني مكلف بالشؤون التجارية وتوزيع البضائع. فكرة المشروع انطلقت من الاستثمار في نطاق إنشاء الضيعات بجهة سوس، فبعد سنة من دراسة المشروع، وجدت في الميدان كفاءات تتمثل في تقنينيين ومهندسين، خبراء كبار، غير أنهم ليست لديهم الإمكانيات لإقامة مشروع في المجال الزراعي…من هنا جاءت فكرة تمويل هؤلاء التقنيين والمهندسين الزراعيين لإقامة مشاريعهم، أنا ليس لدي تكوينا فلاحيا، فتخصصي العلمي في مجال التسيير والتسويق، لذلك قلت لماذا لا نقيم شراكة بيننا، وأن أتكفل أنا بالتلفيف والتسويق، وأن تجد مشاريع هؤلاء طريقها إلى الإنجاز. بهذه الطريقة حصلت فكرة الاندماج، جاءت مواكبة لمخطط المغرب الأخضر، لقد تبلورت فكرة مساعدة المنتجين الصغار في إطار مشاريع محطات التلفيف هنا بمنطقة سوس حيث وجدت موطئي النهائي بعد محطات طويلة من التنقل بين جهات المغرب.
سنة بعد ذلك جاء تتويجي في إطار موضوع المرأة والتنمية بجهة سوس وهذا شرف عظيم لي أعتز به ، أسعى قدر الإمكان للتواجد في مختلف الأنشطة النسائية ذات الارتباطات الإنسانية الاجتماعية بالمنطقة، غير أنه من الصعب أن تجد الناس الذين يمكن أن يندمجوا في إطار عمل جمعوي يسير بعيدا.
يخصوص ستثماراتي بمنطقة سوس، هناك مشروع من 149 هكتار للمنتجين الصغار يعتمد على الزراعة تحت البيوت البلاستيكية، منتوجنا الأساس هو الفاصوليا الخضراء ” اللوبيا” يشكل 70 بالمائة من إنتاجنا. إلى جانب الطماطم والقرع الأخضر...بخصوص التسويق، ففي ظل الأزمة القائمة بأوروبا نحاول أن نجد أسواقا خارجية للترويج. وقد فكرنا في ظل الأزمة أن نبحث عن أسواق صاعدة بالدول الإفريقية، وفي هذا الإطار كذلك تدخل علاقتنا الحالية بالفاعل الفلاحي الشيلي والسوق الشيلية. ينصب اهتمامنا نحو إفريقيا لتصدير الخضر والفواكه التي تطلبها هذه الأسواق. ولدينا مع الشريك الإسباني مزارع في البيرو وقد استوردنا منها كميات مهمة من ” لافوكا” وقد لاحظ الجميع كما لاحظ المستهلك ثمنها المناسب بالأسواق خلال شهر رمضان الأخير.
من أين جاءت فكرة تبادل الخبرات مع الفاعل الشيلي في القطاع الفلاحي؟
لقد شرفتني جمعية منتجي ومصدري الخضر والفواكه ” ابفيل” بتمثيلها في دولة الشيلي، قدمنا عرضا باسم المغرب كدولة بكر في مجال الاستثمار، وتحدثنا لنظرائنا عن المناسبات والعروض المفتوحة ببلدنا، وضعنا الشيليين أمام إغراءات السوق المغربية. من هنا جاءت فكرة التعاون وقامت وزارة الفلاحة والصيد البحري باستدعاء الفاعلين الزراعيين الشيليين ليكونوا ضيفا على المغرب ، والمشاركة في معرض “سفيل” الدولي بأكادير، من أجل التعرف على السوق المغربية وأهميتها، فالشيليون مهتمون بشمال إفريقيا، لديهم سوق ” برو شيلي” شبيه ب ” ماروك إكسبور” ، و”مكتب تنمية الصادرات المغربية”، الشيليون لديهم رغبة لإنشاء “برو شيلي” بالمغرب أو الجزائر أوجنوب أفريقيا، ونحاول نحن قدر الإمكان لاستقطابهم للمغرب. نسعى حاليا إلى تحقيق الشركة عبر لقاءات ومفاوضات بين وزير الخارجية ووزير الفلاحة لتحقيق هذا المبتغى. وأعتبر أنه من الغاية والأهمية بمكان أن يمر علينا الشيليون نحن الأولون قبل الاتجاه نحو دولة الجزائر. لقد اكتشفوا أن الفلاحة المغربية تسير باتجاه التطور.
وقبل أن أنهي هذه النقطة، أود أن أسطر على شيء مهم، هو أن السوق الشيلية غير منافسة للسوق المغربية لسبب بسيط هو اختلاف أحوال الطقس بين البلدين، نحن الآن في فصل الشتاء وهم يعيشون فترات صيف، ومنتجاتهم تنتهي عندما تبدأ منتجاتنا، والعكس صحيح، ليس لديهم منافسين، ويتوفرون على سوق جيدة بدون منافسة لأن مواسم منتوجاتنا مشابهة لتلك التي لدى دول الجوار.
لنعد إلى مشروعكم المغربي الإسباني ما حجم استثماراتكم؟
توجد لدينا محطة للتلفيف ببيوكرى، لكن مزارع الإنتاج موجودة بأيت اعميرة، وأولاد داحو، وتارودانت وفي عديد من النقط، إلى جانب محطة أخرى بمنطقة العوامرة، والعرائش حيث ننتج التوت، والطماطم والبصل لتكملة الإنتاج.
كيف اختارت سارة محسن الميدان الفلاحي الذي لا يلج أبوابه بالمنطقة إلا الرجال وأبناء الأعيان؟
” تضحك قبل الرد وتسترسل” أنا لست بنت فلان ولا علان من أعيان المنطقة الذين وجدوا الطريق معبدة للوصول، انطلقت من الصفر، ليس لدي أبا ولا أخا ولا زوجا مد لي يد المساعدة، انطلقت وحيدة، معي الله، أحمده واشكره، فأنا في الطريق الصحيح.
أقول جوابا على سؤالكم، إن مفاجأة كبيرة حملتني إلى المجال الزراعي، وأجيب دائما عندما يطرح علي هذا السؤال بقولي، إنني في المجال الفلاحي كمن “مر من مدرسة عسكرية” . نتعلم الكل في مجال الفلاحة كما هو شأن ميدان الجندية، يرى الجميع أن الفلاحة صعبة المراس “غلبات حتى الرجال” ومن أجل ذلك كنت عنيدة في اختياري لها. لقد تعلمت كثيرا، وصمدت فهناك عقليات محافظة نجدها في الطريق وعلينا أن نبرهن لها قدرة المرأة على التحدي وكسر الأفكار الجاهزة، جئت إلى المنطقة في مرحلة الأزمة والجفاف، فلم يتطور إنتاجي بالشكل الذي كنت أريد في البدابة، مع ذلك لم يخيب الله ظني، انطلقت الآن وأنا في وضعية جيدة في الميدان، وأتمنى أن أسير إلى الأمام.
لست من أبناء الأعيان،ولست بنت البط العوام، فكيف حققت النجاح في هذا ” المربع الرجالي”؟
الفلاحة بأكادير تطورت بطريقة مدهشة، والأوربيون عندما يزوروننا بسوس يندهشون للتطور الحاصل، تجربتي الأولى بدأت باثنين اشتوكة، لقد اشتغلت بالمغرب كله قبل أن أحط الرحال بأكادير، اشتغلت بالغرب، ودكالة وعبدة والشاوية، كما بتيفلت ومكناس، وعين تاوجطات. …وأقول إنني وجدت راحة نفسي بسوس حيث التنافسية والعمل الجاد، وأؤكد أن لا مجال للمقارنة من حيث التطور المطرد، بين كل تلك الجهات ومنطقة سوس. لقد بدلت مجهودات وبحوث كبيرة بسوس، وهناك رغبة كبيرة في النجاح، لم أجد في أي جهة مررت بها مثل هذه جهة أكادير التي تفتح ذراعيها، لكل من يرغب في النجاح والعطاء.
أنا الآن عضو بجمعية منتجي ومصدري الخضر والفواكه، منخرطة حديثة وتجربت في تطور، لكن هناك فعاليات بالجمعية أعطت الكثير، ولها خبرة طويلة في الميدان. لقد قامت الجمعية بتشبيب مجلسها وأنا فخورة بالانتماء إليها، قامت بمجهود كبير في الوقت الذي سعت بعض أوجه العمل النقابي إلى تكسير الاستثمار بالميدان الزراعي، فنحن مستثمرون مواطنون لدي اليوم على سبيل المثال بين 80 و 120 عاملا رسميا، لكن على مستوى مجموع العاملين بالضيعات يمكن أن نصل حوالي ألف عامل.
كيف تبدأ سارة سيدة الأعمال يومها؟
بداية يومي تكون مبكرا، استيقظ في الرابعة صباحا ليس لأتوجه صوب العمل، ولكن لأعرف أثمنة سوق المنتجات على المستوى الدولي، فالفلاح يسأل عن ثمن منتجاته فور استيقاظه، يرغب في معرفة الأسعار بالسوق الدولي وأثمانها ويجب علي معرفة الرواج التجاري قبيل الخروج،وعند شروق الشمس أتوجه إلى محطة التلفيف ببيوكرى لمعرفة المشاكل اليومية، ومعرفة السلع التي دخلت، ومتابعة تفاصيل الروتين اليومي والالتقاء بالمنتجين، وإيجاد حلول للمشاكل الطارئة.
وكيف جمعت بين الجمال والمال والأعمال في مجال شاق
” ربي يخليك ” تقول متعففة ثم تسترسل، في العمل أكون شخصا آخر، فأنا بطبعي رجل في تصرفاتي، الفلاحين الذين يشتغلون معي، يقولون لي في لحظات المرح” لن نجد لك زوجا يمكنك الزواج به”. هناك ازدواج في شخصيتي، يعتبرونني “راجل ونص” كما قلت، فالتجربة في المجال والمراس بالميدان يجعلني كأنني تلقيت تداريب عسكرية شاقة. عندما أكون في العمل أتغير كثيرا، تجدني شخصا أخر بحداء وبذلة العمل. استطعت والحمد لله التغلب على الصعاب بعدما حللت متخوفة بسوس ماسة درعة المنطقة الأمازيغية، كما احتككت بمجال رجالي، غير أنهم اعتبروني مثل أختهم، ومثل أحد بناتهم، أنا محظوظة، لكن هناك أشياء في طبيعتي ساعدت على تأقلمي واندماجي.
وكيف تمكنت من تغيير العقليات الني تنبأت مند اليوم الأول بفشلك؟
كانوا في البداية يقولون” الناس ب”شلاغمهم غلباتهم الفلاحة وكيف ستفعلين أنت” لكنهم بعد بضع سنوات يقولون الآن” أنت امرأة أحسن من أكثر من رجل، كسبت عطفا واحتراما وتقديرا بالميدان الفلاحي بسوسـ ثقة الناس تجعلني مرتاحة الضمير أشعر أنني ربحت حياتي كلها.
أسمحي لي أن أطلب منك أن تحدثيني عن حياتك الخاصة، وعلاقاتك بوسطك، وبعض الأشياء التي تجدين فيها نفسك بعيدا عن الفلاحة والاستثمار ومشاغلهما.
في حياتي الخاصة أنا مثل الرجل، أصادق الرجال كثيرا وناذرا ما تجدني برفقة امرأة، لست أدري لماذا ولكنها أمور تدخل في الطبيعة، مند الصغر كانت رفقتي مع الذكور، لم أفكر قط لأكون نسوية، وقد حكمت علي الظروف لأكون صلبة، مند نعومة أظافري، كانوا يلقبونني ب “عزري الدوار” (تتوقف لتضحك قليلا وتستأنف) مند طفولتي أحببت اللعب مع الذكور، مع ذلك أجد في دواخلي امرأة تتحرك، وكلما ازداد عمري يقوى هذا الإحساس الأنثوي بأعماقي. أحب ركوب الدراجات النارية والسيارات، والرالي، هوايات تجذبني إليها، وأنا الآن في طور تعلم قيادة الطائرة.
حوار من إنجاز: طاقم سوس بلوس