قبل اندلاع ما سمي ” بالربيع العربي ” اعتقد الكثير من الباحثين و السياسيين و رجال الاعلام ان البنيات السياسية التقليدية من احزاب سياسية و مجتمع مدني قادرة على استيعاب الشباب المغاربة ، و ادخالهم الى اللعبة السياسية الرسمية ( الانتماء السياسي و النقابي ) ، واستقطابهم بترسيخ طروحات ” يوتوبية ” من قبيل المنهجية الديمقراطية ، و التداول على السلطة ، و الموقع المتقدم للمجتمع المدني ، و حقوق الانسان…فالكل انساق وآمن ان التغيير السياسي سيكون نابعا من داخل هذه التنظيمات الرسمية رغم ” براغمتية ” نهجها السياسي ، و ضبابية تصوراتها الاديولوجية.
لكن بعد هبوب رياح التغيير التي انطلقت شرارتها من تونس ، ووصل صداها الى المغرب ، و بعد ان اظهرت و بالملموس عدم قدرة هذه التنظيمات على عملية الاستيعاب ، بحيث اقدمت الجماهير المنتفضة على خروجها الى الفضاء العام ” الشارع ” بعد تأسيسها لأحزاب و نقابات افتراضية ” فايسبوكية ” من اجل النقاش الغير الخاضع للقيود الرسمية ، ومن اجل التنسيق بين مكوناتها ، متجاوزة بذلك لكلاسيكية العمل الحزبي و النقابي ، من اجل المطالبة بالحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية كباقي الشعوب العربية تاركة اياها في مؤخرة الركب ، آخذة بذلك الشارع كملاد اخير ، و فضاء عام للمطالبة بحقوقها. ومن هنا اسطر وبقلم احمر على مصطلح ” الشارع ” لدلالاته…اجل انه الشارع يا رئيس الحكومة ، الفضاء الذي لا يحتاج الى تنظيم مؤتمرات ، و ايام دراسية ، و لا يحتاج الى تمويلات و حملات انتخابية للمطالبة بالشرعية ، و لا الى قوانين جارية…فقط يتطلب حناجر قوية ، و إرادة صلبة ، و تضحيات جسام للمطالبة بالحقوق المهضومة.
فبعد وصولكم الى رئاسة الحكومة ، تعاملتم مع المحتجين بنوع من الانتقائية ، و بآليات اظهرت تناقض اقوالكم مع افعالكم كملف ” الاطر العليا المعطلة ” ( المحضر – المرسوم ) ، بعد اعطاء سيادتكم وعودا بتوظيف هؤلاء ، لكنكم خالفتم . كما رفعتم في اسعار المواد الاولية و المحروقات تحت تبرير عدم استقرار سوق النفط الدولي ، اعطيتم اوامركم بالإجهاز على صندوق المقاصة الذي قد يهدد السلم الاجتماعي ، تعاملتم مع الفساد بمنطق مقولتكم الشهيرة ” عفا الله عما سلف ” ، لم تحركوا ساكنا بعد القصف الصهيوامريكي الاخير على غزة ، و اكتفيتم بالإدانة فقط….فمنذ قدومكم فعلتم وفعلتم و فعلتم….ندرك جيدا انكم تمارسون السياسية بمنطقها ” الميكيافيلي ” ، لكننا نعرف ملاذنا….إنه الشارع يا رئيس الحكومة ، اجل الشارع …