*لاقت صورة السياسيين الامازيغ، أصحاب الأغلبية الحكومية، صدى واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وزخر تويتر بالتغريدات المرحبة بهذا الخبر، وفق ما ذكرت صحيفة Jeune afrique الفرنسية.
وفي هذا السياق، أوردت بعض المنشورات أن “السلطة أصبحت للأمازيغ!”، وأفادت أخرى بأن “قوة محور تافراوت-إنزكان قد بلغت ذروتها!”. بينما أشار آخرون إلى أن “الوقت قد حان ليحل الأمازيغ محل الفاسيين الذين يحتكرون كل السلطات”.
في الواقع، نجد في حكومة الوزير الأول سعد الدين العثماني الائتلافية، الذي نشأ في مدينة إنزكان، بمنطقة الأطلس المتوسط، (وأحد قادة حزب الحركة الشعبية)، والأمازيغي ادريس لشكر (عن الاتحاد الاشتراكي). كما تضم الحكومة أيضاً الثنائي المنحدر من منطقة تافراوت (الموجودة في سوس المغربية)، عزيز أخنوش، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، ومحمد ساجد، الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري.
وفي الأثناء، أورد أحد أفراد الحكومة مفسّراً حقيقة هذه التركيبة، أن “هذه التشكيلة ليست بالأمر الغريب. فقد اعتدنا، منذ أشهر عديدة وحتى في السنوات القليلة الماضية، رؤية هذه الشخصيات السياسية، باستثناء اخنوش، في صدارة الأحزاب السياسية التي تنتمي إليها. لكن لا يُمكن أن ننفي أن الأمر يبدو أكثر إثارة عندما نراهم يكونون ائتلافاً حكومياً”.
في الواقع، من الصعب أن يكون الاشتراك في الهوية الأمازيغية الدافع الوحيد وراء تشكيل هذه الائتلافات السياسية في المغرب.
مملكة الفاسيين
في بداية الستينات، تطرّق الباحث أوكتاف ماريه في كتابه الذي صدر تحت عنوان “الطبقة الحاكمة في المغرب”، إلى الطريقة التي تمكن من خلالها آل الفاسي من بسط نفوذهم والتوسع في المملكة أثناء القرن العشرين.
وأورد أنه “خلال الفترة الاستعمارية، تمكنت الطبقات الثرية، وعلى رأسها هذه العائلات، من ضمان سبل النفاذ والانخراط في المجتمع المغربي الجديد، وكان ذلك بفضل التعليم. ومن ناحية أخرى، وفي ظل تغير الخطط التنموية، طالبت البرجوازية الحضرية، خاصة آل الفاسي، بالسماح لها بتقديم الدعم لجزء من القطاع الاقتصادي الحديث”.
وإثر ذلك، ووفقاً للمعطيات التي أدلى بها أوكتاف ماريه، ساهم سقوط عهد الحماية في تغيير الأوضاع الداخلية في المغرب. وشملت هذه التطورات أساساً الميدان السياسي، حيث انتقلت السلطة بسرعة كبيرة إلى أيدي البرجوازية، عن طريق “حزب الاستقلال”.
وفي السنوات الأولى التي تلت الاستقلال، لعب هذا الحزب، الذي لُقب “بحزب الفاسيين”، دوراً تاريخياً في تعزيز سلطة العائلات البرجوازية.
وفي هذه الأثناء، كان ورثة القادة الوطنيين يزاولون تعليمهم في أفضل المدارس ويحظون بأرقى الشهادات العلمية. وفي مرحلة لاحقة، قاموا باحتكار مناصب عُليا في الإدارات الكبرى والبنوك والشركات الصناعية والتجارية، الأمر الذي أدى إلى سيطرة هؤلاء الأفراد على جزء هام من مختلف القطاعات الاقتصادية الرئيسية في المغرب.
السلالات السياسية
في واقع الأمر، توسّع نفوذ الطبقة البرجوازية إلى أن بلغ القصر الملكي، حيث عين أبناء العائلات الثرية في بعض الوظائف الهامة. وفي بداية عهد الحسن الثاني تقلدت عائلات الفاسي والتازي وبنسودة وبنهيمة مناصب وزارية لفترات زمنية طويلة، حتى أنها تمكنت من تكوين سلالات سياسية حقيقية.
ووفقاً لدراسة أجرتها أستاذة العلوم السياسية أمينة المسعودي، كان وزير مغربي، من جملة ثلاثة آخرين من الذين تم تعيينهم بين سنة 1955 و1985، قد وُلد في فاس أو يمتلك جذوراً فاسية. كما شغل هؤلاء الفاسيون مناصب حكومية على امتداد فترات متعاقبة وصلت إلى حدود 1111 شهراً.
وأثناء فترة حكم الحسن الثاني، وتحديداً عقب الاضطرابات التي شهدتها المملكة خلال الستينات، تولى كل من العمراني، وعثمان بوعبيد العراقي، وفيلالي ثم اليوسفي رئاسة مجلس الوزراء على التوالي.
في الحقيقة، لم يكن الجيش في منأى عن توسّع شبكة “آل فاس” المترامية الأطراف. فبعد اختفاء أحمد الدليمي ومحاولتي الانقلاب اللتين جدتا في أوائل السبعينات، تصدرت هذه العائلة القيادة العسكرية العليا. وفي الوقت نفسه، أصبح كل من حسني بن سليمان، وعبدالعزيز بناني وكذلك عبدالحق القادري من أهم الجنرالات الموالين للملك الراحل.
هجوم السوسيين المضاد
تحول تفوق الفاسيين في مجال إدارة الأعمال إلى مصدر توتر عميق في صلب الدولة، كما أثار غضب بعض الأعراق الأخرى في العديد من المناسبات. فبالنسبة للأمازيغ، أحيى نفوذ هذه السلالة داخلهم الشعور بهيمنة عربية أندلسية على التراب المغربي.
وفي صلب الذاكرة الشعبية، يتمحور هذا الانقسام أساساً حول التنافس بين الفاسيين والسوسيين. ففي الحقيقة، يتجاوز المزاح في مواضيع مثل جشع السوسيين أو رفاهية حياة الفاسيين كونه مجرد وسيلة لإمتاع السامعين، حيث يعكس ذلك “صداماً” حاداً بين طائفتين متشابهتين ولكن متفرقتين في الآن ذاته.
والجدير بالذكر أن العديد من الصفات، على غرار الذكاء التجاري وروح المبادرة والولاء الثابت للجذور، تمثل نقاط تشابه بين سلالتي الفاسي والسوسي في المغرب، اللتين تخوضان “حرباً باردة”، من المرجح أن تستمر على مدى عقود طويلة. وقد نشب هذا الصراع منذ سنة 1930، حيث كانت العائلات الفاسية البورجوازية تحتكر النشاطات التجارية.
“صغار تجار سوس” ينافسون “برجوازيي فاس”
وبغية تسلّق السلم الاجتماعي، غادرت العائلات السوسية، مناطقها للاستقرار في العاصمة الاقتصادية، حيث استحوذت على عمليات التبادل التجاري. وانطلقت نشاطاتهم الاقتصادية من خلال فتح محلات بقالة بسيطة، مكنتهم فيما بعد من الاستثمار في مجالات أخرى (على غرار المطاعم والمخابز والفنادق ومحلات الملابس).
ومن هذا المنطلق، تحول “صغار التجار أصيلي منطقة سوس” تدريجياً إلى منافسين رئيسيين “لبرجوازيي فاس”. وفي هذا الصدد، أفاد المؤرخ المغربي محمد بوهلال بأن “تعزيز الدور الاجتماعي للسوسيين، من خلال ممارسة التجارة، سمح لهم بمضاهاة أهم الأسر الأرستقراطية، التي لطالما تبنت الإدارة المخزنية والنشاطات التجارية بطريقة وراثية”. ونتيجة لتضافر كل هذه الظروف، تشكلت النخبة المدنية والعسكرية البربرية في المغرب.
* عن “هاف بوست عربي” بتصرف