17أمينة المستاري
بقامته الطويلة وسحنته السمراء وقبعته التي تقيه من ضربات الشمس، جلس عبد الرحمان، صانع فخار في عقده الخامس، أمام غرفة بنيت من حجر في الطريق المؤدية إلى أعلى الجبل بدوار “تحربيليتي” بواحة فينت ضواحي ورزازات، يحرك أنامله بخفة في جوانب الآنية الكبيرة الموضوع أمامه “تنور الطين”، يحرك العجلة المستعملة لصناعة الفخار بقدميه العاريتين، يلمس بخفة جوانب الآنية في حركات تنم عن حرفية عالية، وبطيبوبة يحكي عن سنوات حياته التي قضاها في عمله لتأمين لقمة العيش وتزويد الساكنة بالآنية.
تغيرت قسمات عبد الرحمان وهو يأسف لحرفة تكاد أن تنقرض، بسبب إهمال الكثيرين لهذه الحرفة، فقد كان أهل دوار حربليتي يمارسون هذه الحرفة إلى جانب أهل دوار ت، بلريزي، تيمولا، ووانغارف، لكنه تشبث بحرفة أبيه، بعد أن أصبح الوحيد الذي يصنعها ويقصده أهل الدواوير الأربعة لاقتناء حاجياتهم منها.
يقصد عبد الرحمان كل صباح محل عمله الصغير، بعد أن يجلب التراب الأحمر في أعلى الجبل بواحة فينت، يرتدي لباس العمل ويقوم بعجن التراب، ثم تبدأ عملية تشكيله حتى تصبح الآنية على شكل دائري، تتحرك أصابعه بحرفية وخبرة حتى تصبح العجين طيعة بين يديه، فتبدأ عملية التشكيل لتتحول إلى آنية كبيرة، ويتم وضعها لتجف داخل الغرفة، ثم طهيها بفرن هو عبارة عن حفرة كبيرة حفرها عبد الرحمان، لطهي الأواني حتى تصبح قادرة على تحمل النار، وقد تستمر العملية ساعة ونصف، ويمكن أن يسع الفرن حوالي 20 آنية.
يستطيع عبد الرحمان إعداد 8 إلى 10 آنية في اليوم، ويقصده أهل الدواوير المجاورة لإتقانه الحرفة، وقد يصل ثمن الآنية 40 درهما، بها يتمكن من إعالة أسرته وتربية أبنائه وضمان لقمة عيشه.
كان عبد الرحمان منهمكا في عملية عجين التراب، التي تشبه عملية عجين الخبز، فهو يحضر التراب من الجبل، يقوم بدقه حتى يصبح رملا، ثم يقوم بغربلته وعجنه، وتشكيله على شكل بيضة مفتوح أعلاها، يدق جوانبها من حين لآخر ويسقيها من حين لآخر، يعمل على أن تكون حافتها ملساء وواسعة تسمح بوضع الحجارة الصغيرة لطبخ الخبز، وإلصاق العجين بجوانبها.
أفنى عبد الرحمان 45 سنة من حياته في صناعة آنية “تنور”، فقد تعلم الحرفة من والده الذي ورثها أبا عن جد، لكن الحرفي الخمسيني لم يتمكن من تلقين أبنائه الصنعة، يقول بحسرة : ” لم يتعلم أبنائي مني الحرفة لذلك لا يساعدني أحد في حرفتي، أما أنا فقد تعلمت من والدي وكنت ألازمه في العمل حتى أصبحت الآن الوحيد الذي يصنع هذه الأواني في دوار “تحربليتي” المتواجد في واحة فينت بجماعة ترميكت، والبعيدة عن ورزازات بـ 12 كيلومترا.”
ينهمك عبد الرحمان في عمله بإتقان، وهو يحكي عن سنوات خلت كان سكان المنطقة يقومون بصناعة الفخار لتلبية حاجياتهم، لكن وفاة البعض وكبر سن آخرين، وعدم اهتمام الجيل الثالث بالحرفة يجعلها مهددة بالانقراض، فرغم أن مدخولها بسيط إلا أنها أمنت دخلا بسيطا لعبد الرحمان، الذي يلقى التشجيع من بعض السياح الذين يفدون على الواحة، فهو يجاور مقهى ودار للضيافة يقصدها السياح، من أجل الاستمتاع بهدوء واحة “فينت” الهادئة النائية، وممارسة رياضة المشي أو رحلات على ظهور الحمير والدراجات الجبلية…بين بساتين وحقول منعزلة بين جبال صخرية، وعلى جنبات وادي فينت والتجوال بين أشجار الرمان والنخيل والمشمش التي تزخر بها هذه الجنة الصغيرة بضواحي جماعة ترميكت، بإقليم ورزازات، ويستقبل سكانها الزائر بابتسامة وود وترحيب، تعكس معدنهم الطيب.